أعيد تصميم متحف معهد العالم العربي بالكامل في سنة 2012، وهو اليوم يدعو الزائر إلى اكتشاف العالم العربي من منظار مختلف يتجاوز الصور النمطية، وذلك من خلال إبراز تنوع ثقافات العالم العربي وأعراقه ولغاته ومعتقداته منذ نشأته إلى يومنا هذا.
ويضم المتحف تركيبة للصوت والصورة مع صور تنعكس على المرايا تضع الزائر منذ دخوله للمتحف في قلب العالم العربي بتنوعه وتنوع أشكال التعبير فيه.
ركز تصميم المتحف على الحوار القائم بين الأعمال والقطع المختلفة المنتمية إلى مجالات لا تحظى بالأضواء إلى نادرا، وهي:
يمتد مسار المتحف على أربعة طوابق في مبنى المعهد من الطابق السابع نزولا إلى الطابق الرابع، ويدور حول خمسة عناوين رئيسية:
العروبة بالمعنى الثقافي للكلمة هي مثال جميل على التمازج والتفاعل بين الثقافات. لكن الصدمات التاريخية التي تعرض لها العرب محت هذا المثال من الذاكرة الجماعية. جورج قرم
تأتي قيمة المتحف من أنه يحتضن من خلال القطع المعروضة فيه شواهد حقيقية وأثرية وتاريخية لا يمكن الطعن بها. وهو بذلك يحرر الواقع الديني من الجزم والعاطفة. محمد أركون
منذ العصور القديمة الأولى سعى الإنسان لفهم القوى الكونية والتصالح معها. كيف كان أهل بلاد الرافدين أو أهل مصر الفرعونية يتوجهون لمعبوداتهم؟ هذا ما يكتشفه الزائر من خلال مجموعة من التمائم والأختام الاسطوانية. منذ الألف الرابع قبل الميلاد ظهرت أيضا تعاليم وطقوس مشتركة للعبادات. وأدى تصوير المعبودات أو تجريدها إلى جانب الصلوات والأدعية ورموز النور والحياة الأبدية والقرابين والأضاحي ورحلات الحج إلى إنتاج واسع للتماثيل والصور والأيقونات والأثاث والأدوات الطقسية. ويعرض المتحف نسخاً من التوراة والإنجيل والقرآن كشواهد على الكتب السماوية للتوحيد الإبراهيمي فتذكرنا بأن الإيمان بالله الواحد كان قد ظهر في هذه البقعة الجغرافية التي صارت تُدعى اليوم بالعالم العربي.
رخاء الثقافة وجوهرها وكمالها الفني الذي تعبت المدينة في مناله تبقى بعيدة عن الأنظار، فلا تكشف المدينة عن ذاتها إلا في الأسواق وورشات الحرفيين. محمد مطالسي
المدينة هي ترجمة مكانية لتنظيم المجتمع الإسلامي. من المغرب إلى المشرق نعثر في المدن العربية ولو بأشكال وأساليب مختلفة على نفس المباني الرئيسية. ثمة القصر حيث تقيم السلطة وكذا ورشات الحرفيين حيث يجري تحديد النظرة الجمالية الخاصة بكل عصر وزمان. ثم ينتصب المسجد بالقرب من القصر بينما يجتمع المسيحيون في كنيستهم واليهود في كنيسهم. ثم المدرسة (حتى القرن الحادي عشر) حيث يجري تناقل المعارف النظرية والعملية. ثم السوق أي مركز التجارة والإنتاج المادي الذي يطبق بعض العلوم النظرية. وأخيرا المدينة بمعنى المساكن والبيوت التي تنقسم إلى أماكن للعموم وأخرى مخصصة للحياة الحميمية الخاصة. من مخطط المدينة العربية هذا استلهم تصميم المتحف طريقة تنضيد خزائنه التي تضم كنوزا شاهدة على مستوى الامتياز الذي وصلت إليه الانجازات الفكرية والفنية في العالم العربي.
لا يمكننا حبس المقاربة الجمالية التي وضعها العالم العربي ضمن قاعدة شكلية محددة المعالم ولا في إطار فكر جمالي ما ولا في سعي ما نحو الترقي الروحي. فالجمال مرتبط ارتباطا وثيقا بالمعرفة. الجمال باب العلم الروحي وغير الروحي. إيف بورتير
في الفنون الإسلامية – وهذا مصطلح وضعه الغرب – لا ثمة من معادل للنظرية الجمالية الغربية. ما عدا في فن الخط الذي أصبح شكلا جماليا قائما بحد ذاته استنادا إلى فعل التقوى الذي يمثله نسخ القرآن. فظهر على مدى العصور العديد من المقالات الجمالية لضبط كيفية تخطيط الحروف وأشكالها في النصوص والنقوش الدينية والدنيوية. وانكب الحرفيون والفنانون (والتمييز بينهما لم يكن قائما قبل القرن العشرين) على اختبار الجمال في مصنوعاتهم مهما كانت من خلال المساحات التي تتزاوج فيها المواد المستخدمة والزخارف والألوان والنسب المنسجمة والمتناغمة. أما المخلوقات (الإسلام يمنع تصوير ما هو حي في المباني الدينية وأثاثها) من نباتات وحيوانات وبشر، فضلا عن مخلوقات الأساطير والخرافات، فقط جرى تصويرها بشكل مثالي تعبيري بعيدا عن أي نظرة طبيعانية.
على مدى أكثر من ألف عام تكيف العالم العربي مع الإسلام والمعايير التي وضعها. حتى غير المسلمين تأثروا بالمنظومة الفكرية الإسلامية. فبينما يُعتبر الجسد في الغرب ملكا للفرد الخاضع للقانون، بنظر الإسلام للبدن على أنه ملك لله. وعلى الإنسان أن يتعامل مع بدنه على أنه وديعة بين يديه ينبغي العناية بها ولكن دون العبودية لها. محمد حسين بن خيرة
يتطرق آخر قسم من مسار المتحف لعلاقة الفرد بجسده وبالآخر. الخزانة الأولى تدور حول موضوع الحجاب الذي هو ليس عاملا دينيا كما تذهب إليه النقاشات الجارية حاليا. فالعناية بالجسد، هذه الوديعة الإلهية حسب التراث الإسلامي، لها دوران أحدهما مرتبط بالنظافة والحفاظ على الصحة الجيدة والآخر مرتبط بتطهير المؤمن عند الوضوء. يعرض المتحف هنا مجموعة من المصنوعات والمنتجات المستخدمة في الحمامات في جو صوتي يستعيد أجواء الحمام ودوره الاجتماعي. أما الضيافة فهي من الشيم الكريمة في المجتمع العربي حتى في يومنا هذا وهي ترتكز على مبدأ التضامن الأسري والديني. وتتطلب أصول الضيافة فيما تتطلبه تسلية الضيف بالشعر والموسيقى وهما من أعمدة الثقافة العربية منذ ما قبل الإسلام. وهكذا ينتهي مسار المتحف بنبذة عن أنواع الموسيقى العربية، من موسيقى الطرب إلى الأغاني الشعبية.
Pour recevoir toute l'actualité de l'Institut du monde arabe sur les sujets qui vous intéressent
Je m'inscris